أراء حرة

نور الدين بوكروح: الجزائر و المغرب أمام عقبة ” كل شيء أو لاشيء“

اشعلت مباراة كرة القدم بين الجزائر و المغرب في نهائي كأس العرب للأشبال فتيل التراشق على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن شب عراك بين الفريقين في نهاية المقابلة. وارسل كل واحد فيديوهات لا تمكننا من تحديد المسؤوليات، لأن كل جهة تبرز الزاوية التي تقدم الدليل لصالحها.

يتعين على السلطات الرياضية العربية القائمة على كرة القدم أن تقوم بالتحريات الضرورية في اسرع وقت و تظهر الحقيقة وتأخذ القرارات العقابية اللازمة.

أما أنا فقد شد انتباهي أكثر ما وقع فيه أصحاب “اليوتيب”، في البلدين من حدة القول والاتهامات والشتم، مما يدل على اتساع الشرخ بين الشعبين والخطر الذي يهدد علاقتهما ببعضهما. خاصة وأن هذه “المشادات الكلامية ” تتبع سجال حدث قبل أيام بين معلق رياضي جزائري و منشط تلفزيوني سوري تلقفه ناشطوا ” اليوتيب” الجزائريون والمغاربة للتراشق بالشتم و السب.

مس الحدثان من جهة كرة القدم، الرياضة المفضلة لدى الجماهير، ومن جهة اخرى العلاقة الجزائرية المغربية، التي اصبحت في غاية الحساسية. و هذا الأمر لا يمت الى الصدفة بصلة، إذا ما حسبنا الاسابيع القليلة التي تفصلنا عن القمة العربية التي ستنعقد بالجزائر، و بداية كأس العالم في قطر التي ستحضرها تونس والمغرب. وهذا التراشق ساهم بالتأكيد في “تأجيج” الأذهان والنفوس في مغرب منقسم أكثر من أي وقت مضى بسبب المسألة الصحراوية التي لا حل لها على ما يبدو، ولا تحتاج إلى إضافة هيجان وأحقاد الشارع إلى تعنت الحكام.

ما العمل عندما نجد أنفسنا أمام مشکل مثل هذا الذي يتواجد فيه المغرب والجزائر منذ نصف قرن؟

ما العمل عندما يكون الطرفان دوما في تأهب للحرب دون الخوض فيها؟ ما العمل عندما تصرف الملايير من الدولارات من الجهتين للحصول على أحدث الأسلحة؟ حتى المقولة اللاتينية التي تفيد بأن “الاستعداد للحرب هي أفضل وسيلة للحفاظ على السلم” لم تفد البلدين ولا تصلح لهذه الوضعية، لأن كلاهما متعلق بفكرة ” الكل أو العدم” كل شئ أو لاشي!

لا المغرب يريد الاعتراف للشعب الصحراوي بحقه في تقرير مصيره وضم أراضيه عنوة سنتي 1975 و 1979، ولا البوليزاريو يقبل بوضعية الاستقلال الذاتي الذي اقترحه عليه المغرب، و لا الجزائر تريد التراجع عن سياسة تدافع عنها بكل جوارحها باسم ” مبادئ” ، لا تحترمها في كل الحالات مثل الحالة الأوكرانية التي نعيشها حاليا، حيث نرى فيها أن روسيا قررت إنهاء وجود بلد يعترف به العالم كله.

إن الديبلوماسية هي فن البحث عن حلول وسط بين “كل شيء ” و “لاشيء” ، وقد حاولت دون جدوى منذ 1979 و 1991 إيجاد حل يقبله المغرب والبوليزاريو و بعد عناء عقيم استسلمت للأمر الواقع: السوسة داخل الفاكهة! المشكل “الذي لا حل له” موجود في هيئة الامم المتحدة نفسها، حيث يكمن في التناقض بين جمعية عامة ديمقراطية تمثل إرادة الأمم جمعاء، و مجلس الأمن الذي تمثل فيه خمس دول تعمل في يدها اليمنى السلاح النووي وفي يدها اليسري حق الفيتو الذي يسمح لها بدهس القانون الدولي إذا عارض مصالحها.

إذن ماذا بقي لمن يبحث عن عدالة تنصفه مثل الفلسطينيين و الصحراويين و الأويغور الصينيين الذين لم يسعفهم الحظ بأن يكونوا أوروبين مثل أوكرانيا؟ هل هي الحرب؟

لم تحل الأسلحة مشكلة الفلسطينيين رغم خمسة حروب عربية اسرائيلية. لقد اختفت القضية الفلسطينية من أجندة العلاقات الدولية لأن الفلسطنيين انقسموا بين اسلامويين وسلميين. لم يعد في العالم العربي الإسلامي من يريد الموت من أجل فلسطين التي” دفنتها” اتفاقيات ابراهام.

لم يعد للأمم المتحدة، في شكلها الحالي، أي وسيلة لإخراج المغرب من الأراضي الصحراوية. ولا يمكن للجزائر تحرير الصحراء الغربية لإهدائها للبوليزاريو حيث سيقف العالم في وجهها هي، كما لا يمكن للمغرب سحب ملف الصحراء الغربية من الأمم المتحدة، ولا يمكن للبوليزاريو القيام بالحرب كما في سنوات السبعين و الثمانين التي انتصر فيها بالعديد من المعارك وسجن آلاف الجنود المغربيين.

وخلال الثلاثين سنة الماضية قام المغرب ببناء حائط منيع على طول 2000 كلم، واكتسب وسائل دفاعية تقلص العمل العسكري ضده، وأخيرا أخذ تأمينا على مدى الحياة بأن وضع نفسه تحت حماية اسرائيل التي لن تساعده في استرجاع سبتة ومليلة، بل فقط في حربه على الجزائر.

لكن هذا لن يضمن للمغرب نوما عميقا مرتاحا لأن خطر البوليزاريو و وجود الامم المتحدة لن يختفيا وسيبقيان يلاحقانه.

لن تحل مشكلة الصحراء الغربية بالسلاح حتى وإن قامت حرب بين الجزائر والمغرب ستكون حربا دون أهداف حربيه لأن لا أحد منهما سيتمكن من احتلال أراضي الآخر، بل فقط سيقومان بتدمير بعضهما عن بعد، وسيأتيان على وسائل بعضهما من عتاد حربي، ومنشآت مدنية واقتصادية تم بناءها بشق الأنفس خلال القرن الماضي، وسيرميان بثلاثة شعوب في الفقر والتقهقر والشقاء. ستكون حرب من أجل لا شيء و لن يفوز فيها وبها أحد.

على الحكام الجزائريين والمغاربة والصحراويين اغتنام فرصة القمة العربية في الجزائر للتحلي بالشجاعة وإدارة ظهورهم للتعنت والتشنج الذي يسود علاقتهم حاليا، وفتح محادثات حول ضرورة التخلي عن استراتيجية ” كل شيء أو لاشيء”والاتفاق على مقاربة بعيدا عن الحلول المتعددة الأطراف سواء عربية كانت او غيرها، والتي يمكن ان تلحق بها تونس و موريطانيا فيما بعد.

بعد خمسين سنة من الآن، وبعد أن تصرف عشرات المليارات من الدولارات بدون جدوى من جديد، وبعد أن تقوم حرب ضروس او دون أن تقوم، ستعود الأطراف الثلاثة برغبة منها او رغما عنها، إلى هذا الحل لأنه لا وجود لحل آخر أحسن منه. لا حل آخر سوى هذا لفك النزاع بين الأطراف الثلاثة حول القضية الصحراوية.

بقلم نور الدين بوكروح / مفكر ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى