أراء حرةالأخبار

ملاحظات أولية حول المشروع التمهيدي للقانون العضوي للأحزاب السياسية

بعد مطالعتنا على فحوى المشروع التمهيدي للقانون العضوي للأحزاب السياسية، يتضح جليا أن السلطة السياسية في الجزائر مازالت تتعامل مع المجتمع و تنظيماته الاجتماعية كأنه قاصر و بأبوية. المشروع في فحواه لا يختلف عن القوانين المصادق عليها سابقا و التي ترمي إلى المزيد من التقييد للحريات الديمقراطية، مثل ما فعلت مع الحركة النقابية سالفا.

نص المشروع التمهيدي يتحدث عن تكريس و تعزيز مبدأ التعددية الحزبية ، لكن المواد المقترحة تنافي هذا التوجه المعلن و تقيده اكثر من النصوص العضوية المتعلقة بالأحزاب السياسية منذ بداية التسعينات.

أول إحساس انتابنا في الفقرة المخصصة لعرض أسباب هذا المشروع هو فقره السياسي و كأن محرره مجرد بيروقراطي لا يخرج من مكتبه بتاتا ولا يزال يؤمن بأن الأرض مسطحة. لغة النص هي أكثر إدارية و ليست سياسية. ما يدل الفقر في الكفاءات السياسية لدى السلطة الحالية.

من خلال هذا النص المتواضع سنحاول إبداء بعض الملاحظات من أجل إثراء النقاش السياسي حول هذا النص الذي سيهيكل بلا شك العمل السياسي و الحزبي مستقبلا:

الخلفية السياسية للنص تعبر عن هذه الخلفية الاستبدادية الهيكلية للسلطة و صناع القرار السياسي بالجزائر. من خلال هذه الوثيقة تريد المزيد من القيود السياسية و التنظيمية على حساب الأعراف الديموقراطية و العمل السياسي المستقل. المراد منه أيضا أن تعمق تمييع العمل السياسي و الحزبي. من خلال هذا المشروع السلطة من خلال الإدارة تريد التدخل بصفة سافرة حتى في الحياة الداخلية للأحزاب السياسية و تحويل جميع الأحزاب الى منظمات جماهيرية تابعة للسلطة و تدير شؤونها كما تدير الإدارة المركزية و المحلية.

من خلال التعديلات المقترحة السلطة الحالية، و من خلال النص المطروح تريد تقنين ممارساتها التعسفية و الغير الديمقراطية إزاء الأحزاب المعارضة أثناء و بعد الحراك الشعبي. يعني تقنين المرور بالقوة، لأنهم لحد الآن لا يملكون قاعدة اجتماعية واسعة و لم يستطيعوا إعادة بنائها منذ 04 سنوات. موضوعيا، لن نبالغ إن قلنا أن المواد المقترحة تقيد العمل السياسي أكثر مما فعلته فرنسا الاستعمارية في حق الأحزاب السياسية أثناء الفترة الاستعمارية. حيث تجاوزوا بنظراتهم التعسفية كل الخطوط الحمراء وصل الأمر الى مستوى منع أي نشاط سياسي داخل مقرات الأحزاب لغير المنخرطين في الحزب و التي لا تنتمي إلى هذه الأطر السياسية، كما نصت عليه المادة 48 من هذا المشروع التمهيدي.

الرغبة الهستيرية للسلطة ولدى صناع القرار من أجل فرض رقابتها على الأحزاب السياسية أوصلها كذالك إلى حد أنها هي من تقرر طبيعية الهياكل الحزبية و اللجان الدائمة للتنظيم السياسي (المادة 37). يعني أن الإدارة هي التي تحدد الأولويات التنظيمية و السياسية للحزب و ليس المناضلين و القيادات الحزبية. فحسب النص المقترح، لا يحق للأحزاب تشكيل لجان دائمة وطنية أو محلية تهتم بشؤون العمال، البطالين، النساء، الشباب، الاقتصاد ، الايكولوجية …..الخ.

محرري هذا النص الأكثر رداءة في التاريخ السياسي الجزائري تناسوا أن أشكال التنظيم مرتبطة أساسا بالتوجهات السياسية و الأيديولوجية للحزب السياسي، مرتبطة بالقضايا المحورية للحزب، بتطلعات المناضلين و الشعب، مرتبط بالقطاعات النضالية التي يريد الحزب بناءها…الخ. بمعنى أخر التوجه السياسي هو الذي يحدد الأطر التنظيمية و ليس العكس كما تريده السلطة.
— السلطة حشرت انفها حتى في طبيعة التحالفات السياسية للأحزاب و التصريح به لدى مصالح وزارة الداخلية (المادة 57). و لوزارة الداخلية حق النظر، القبول و الرفض حسب تأويلاتها السياسية العبثية.

هذه الملاحظات ليست إلا عينة قليلة من جملة التعسفات التي يحملها هذا المشروع، مشروع يعتبر رغبة في الاعتداء الصارخ علي سيادة المناضلين و المناضلات في تسيير شؤون تنظيماتهم السياسية. اعتداء صارخ على التعددية و مكتسباتنا الديموقراطية. السكوت عن هذه الانزلاقات الخطيرة جريمة و يجب التنديد بها جماعيا.

بقلم سمير لرابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى