الأستاذ عابد صوار: الجمعة (95) واليوم العالمي لحقوق الإنسان في الجزائر
تراجع رهيب في مجال الحقوق والحريات في الجزائر بحيث تعتبر هذه السنة الأسوأ في تاريخ هذا البلد منذ الاستقلال، فمهزلة طريقة وكيفية إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكذا الاستفتاء على الدستور وتحدي إرادة الشعب بتمريرهما رغم النتائج المحققة، الاعتقالات التعسفية، قمع المتظاهرين ومنع المسيرات، منع حرية التنقل، التضييق على الأحزاب السياسية والنشطاء السياسيين والقيود المفروضة على حرية الصحافة وتقيد حرية التعبير وقمع الأحزاب السياسية والتمييز القانوني بين أبناء الشعب الواحد، وعدم استقلالية القضاء والخروقات الفاضحة لجهاز العدالة ضد معتقلي الرأي، ومعاقبة الحراكين والنشطاء السلمين وغيرها من الممارسات التعسفية، كلها تدين السلطة القائمة.
وتعمد الحكومة إلى استعمال جهاز العدالة وقوانين تنص على السجن بتهم التشهير أو القذف أو المساس بالنظام العام أو بمؤسسات الدولة أو المصلحة الوطنية من أجل وقف الاحتجاجات والثورة الشعبية المباركة، هذا دون أن ننسى وضعية سجناء الرأي المزرية في السجون ومعاملتهم بطريقة تختلف كثيرا عن بقية السجناء، والذي عددهم يزيد عن86 معتقل في فترة الحراك الشعبي فقط نهيك عن العدد السابق والعدد الذي غادر السجون.
هذا كله جعل من هذه السنة التعيسة أن تشهد تزايدا ملحوظاً للعنف السياسي، ومزيدا من القمع يثقل كاهل البلد ويشوش آفاق الإصلاح المستمر من أجل الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية. هذا التضييق الممنهج شمل حتى منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الداخلية والدولية الأخرى، وهو ما جعل السلطات الجزائرية تتنصل من كافة التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعدم تقيدها بالتشريعات المتعلقة بالتزاماتها العامة، كل هذه الممارسات أدت إلى صدور مجموعة من التقارير والبيانات الدولية المدانة للنظام الجزائري.
ومن بين هذه التقارير التقرير المتعلق بالتضييق على حق التظاهر السلمي، رغم أنه حق مكفول في الدستور الجزائري لسنة 2016، “منع العديد من التظاهرات وقمع الكثير من الوقفات بالتدخل وإنهاء الاعتصامات السلمية”، كما لاحظ التقرير أن “قوات الأمن تلجأ إلى اعتقال بعض النشطاء والحقوقيين والنقابيين خلال فض المظاهرات والاحتجاجات”.
كما أن غلق العمل الحقوقي والإعلامي والنقابي، حيث ما زال النشطاء يتعرضون للتضييق والتلفيق الممنهج من طرف الحكومة، وتتم متابعة البعض قضائيا أو سجنهم لمجرد كتابة تعليق على حدث عام في موقع التواصل الاجتماعي، حيث يحتوي قانون العقوبات على العديد من المواد التي تجرّم الاحتجاج السلمي كجنح التجمهر والتحريض عليه، في مخالفة صريحة لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية ولكافة القوانين والأعراف الدولية”. أدى إلى صدور قرار من طرف خبراء وحقوقيو الأمم المتحدة ينددون بعقوبة السجن بحق الصحفي الجزائري درارني وبودور وغيرهم وقد دعا الخبراء السلطات الجزائرية إلى إلغاء الحكم وإطلاق سراح درارني من السجن بعد الحكم عليه ثلاث سنوات بتهم تتعلق بالمساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير القانوني.
وقالوا: “ندين بأشد العبارات عقوبة السجن عامين التي فرضت على صحفي كان يؤدي وظيفته ببساطة، وندعو السلطات الجزائرية إلى التراجع عنه وإطلاق سراحه”. هذا طبعا بعد تخفيض العقوبة في مرحلة الاستئناف إلى عامين بدل ثلاث سنوات.
كما انتقد خبراء حقوق الإنسان الإجراءات القانونية والقضائية الهادفة إلى تقييد حرية الصحافة في الجزائر، ودعوا إلى إطلاق سراح جميع النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقال الخبراء “من غير المقبول إلقاء القبض على أي شخص وخاصة الصحفيين لمجرد نشرهم مقاطع فيديو تظهر استخدام قوات الأمن للعنف ضد المتظاهرين. وحثوا الحكومة على وقف اعتقال واحتجاز النشطاء السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأي شخص يعبر عن معارضته لنظام القائم. كل هذا إضافة إلى البيان الصادر بعد إدانة الناشط كريم طابو وبومالة وغيرهم من نشطاء الحراك الشعبي.
ويعتبر قرار البرلمان الأوربي الأخير ضربة موجعة زعزعت أركان السلطة الحاكمة من شأنه أن يصنف قضية حقوق الإنسان في الجزائر في الخانة السوداء. وقد يغير طريقة تعامل هذه البلدان مع الجزائر مستقبلا. وهذا جانب صغير عن بعض الانتهاكات والتقرير في مجال الحقوق السياسية والمدنية أما قضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها فحدث ولا حرج.
في الأخير أقول إن الحراك الذي كان في الشارع تحول بسبب جائحة الكوفيد-19 إلى منصات التواصل الاجتماعي، أدى إلى تحول طريقة القمع من منع التجمهر والتحريض عليه إلى المتابعات بسبب منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية عبر وسائل التواصل.
المهم أنتم البلد الوحيد الذي لا يحق له الحديث عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان ولا على الإعلان العالمي ولا على احترام الحقوق والحريات ولا على حرية الصحافة ولا استقلالية القضاء. أما نحن فأقول إن الغاية واحدة الوسائل مختلفة حسب الظروف، النضال متواصل كل حسب قدراته وأفكاره من أجل جزائر تحترم فيها الحقوق والحريات ويكون فيها صوت الشعب هو المقرر لمصيره.