أراء حرة

جمال مرزوق: ماذا دفع “جيلالي بلعبيد” مقابل جائزة الوالي المسمومة؟

بقلم: جمال مرزوق

لا بأس أن تكون بائع على الرصيف أو عامل بسيط، لكن يجب أن تتمتع بوعي المواطنة وحقوقك كمواطن. وأي جهل بقيمتك كمواطن يجعلك عرضة للتلاعب والاستغلال من طرف المسؤول أو أي شخص آخر. وهذا الذي حدث مع جيلالي…

قد لا يتفق معي معظمكم في الحكم على “الجيلالي”، وقد تجدون له الأسباب والأعذار. ربما يقول البعض أن الجيلالي جاهل ومن المتوقع أن يتخذ هذا الموقف الذي يتماشى ومصلحته المادية. فقد انتقل من بائع بسيط على الرصيف إلى صاحب محل مجهز بعتاد كامل. بين عشية وضحاها. سَيُنَمِي تِجارته وسيصبح برجوازي صغير. يوظف عمال لصالحه ولحسابه، وينادونه بالمعلم على مرء ومسمع من زبائنه…

القصة لم تنتهي هنا. حتى نجيب جميعاً على السؤال المقلق: ماذا دفع جيلالي مقابل جائزة الوالي المسمومة؟ في الحقيقة “جيلالي” ضحى بشيء هو أغلى من المال. نعم صورته وسمعته وشرفه. وضحى كذلك بضميره. مهما فعل ستلاحقه العيون واللّعنات. أكيد من زبائنه في المطعم. وربما من عائلته وأولاده في البيت ومن زوجته على السرير.

لنفترض لو أنّ جيلالي لم يتمسكن ولم يتذلل للوالي. يجتمع جيلالي مع باعة الرصيف أصدقائه في المهنة، ينددون بالإهانة ويُطالبون بالاعتذار وبرد الاعتبار. بل أكثر من هذا معالجة وضعيتهم الفوضوية المخالفة للقانون. يضغطون وسط حملة التضامن الشعبية الواسعة، تصبح قضيتهم قضية رأي عام. تجد السلطات نفسها مُحرجة. سيستفيدون من محلات مجهزة. تزدهر تجارتهم تستفيد عائلات كثيرة. وتصبح قضية مرجعية في تنظيم المجتمع المدني والفئات المهنية والتُجار في دفاهم عن مصالحهم وظروفهم المهنية والاجتماعية…

جيلالي لم يسمح في عرضه فقط. جيلالي قدم شاب شجاع ككبش فداء. جيلالي الفقير ثقافياً واجتماعياً وجد شخص يوصل صوته وينتصر له. عمل له فيديو وساعده على الكلام وظهر فيه يدافع عن شرف جيلالي وعن كرامة كل المواطنين، ونشره على حسابه في موقف شجاع ونموذج لنصرة المظلومين.

والي وهران رفع دعوة قضائية بالشاب ووُجهت إليه تُهم التحريض وإثارة الفتنة… تم إدانته بعامين حبس مع الإيداع. الآن هو داخل السجن.

لنرجع إلى والي وهران الذي يهوى رياضة الخرجات الاستعراضية. يحرص على جمع أكبر عدد من السيارات الحكومية وكثافة العناصر الأمنية المدججين بالأسلحة بكل أنواعها، كأنها فرق قتالية وسط ساحة حربية وليست زيارة ميدانية للوقوف على مشاكل مواطنين بسطاء. وسط الغبار المتطاير ومظهر الشعب الأشعث الأغبر بثيابه البالية ورؤوس مطأطأ من الهم والغبن.. وصاحب البدلة الرسمية والنظرات السوداء يغضب ويسخط وأحيانا يلقي نكت جامدة والكل يضحك ضحكات متصنعة… والكاميرات مصوبة تلتقط الحركات التهريجية للمسؤول السادي والمعقد، لعلها تُظهِره بمظهر الصارم صاحب الكاريزما!

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى