أزمة السكن والوعود الكاذبة تدفع امرأة من غرداية لخيار الإضراب عن الطعام
فقدت 3 بناتها في تسرب للغاز في 2020...
نشرت أمس الأحد سيدة، قالت إنها من ولاية غرداية، منشور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت فيه إنها سوف تدخل في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على حرمانها من حقها في السكن.
واعتبرت السيدة صاحبة المنشور أنها أولى من الكل في الحصول على السكنات التي تم توزيعها اليوم، أمس، بغرداية، لأن “والي ولاية غرداية بعد موت بناتها في 2020 أمر بمنحها السكن”.
وأضافت بأنها لم تعد تحتمل هذا “القهر”، فقد “تعرضت للسرقة في جويلية لأنها لا تملك سكن يحميها و يحمي ممتلكاتها”. متهمة بذلك “مسؤولين محليين بغرداية ومسؤول في الرئاسة” لم تسميهم.
وقد تواصلنا معها. وأجابت على أسئلتنا…
ما الذي دفعك سيدتي إلى هذا الخيار الصعب، وهو الإضراب المفتوح عن الطعام؟
معاناتي مع أزمة السكن بدأت قبل 2019، أي منذ أن كان زوجي السابق في السجن، حيث اتجهت إلى عشيرتي في بني يزقن، لأننا في غرداية لا نزال تحت نظام العشيرة والمجلس، وطلبت منهم مساعدتي بمنحي مسكن لائق لحياة إنسان أو مساعدتي في استئجار مسكن إلى غاية خروج زوجي من السجن.
لكنهم للأسف رفضوا بدعوى أن لوالدي سكن غير مستغل، وهو في الحقيقة عبارة عن شقة صغيرة من غرفة واحدة ولا تليق للسكن وممارسة الحياة اليومية، وبخاصة أنه كان لدي 3 بنات. كما أعلموني أنهم لا يساعدون المرأة المتزوجة.
ماذا تعنين بأنه كان لديك 3 بنات؟
في 03 جانفي 2020 حدث شيء مشؤوم قلب حياتي رأساً على عقب. فقد توجهت إحدى بناتي لأخذ حمام عشية عودتها لمقاعد الدراسة، بعد عطلة الشتاء، ولأن البيت الذي كان يأوينا لم يكن له تهوية جيدة فحدث اختناق بسبب تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون، ففقدت على إثره كل بناتي، وهن ريم رزان ورانيا، وأنا نجوت من موت محقق بأعجوبة.
وقد نُقلت على إثرها إلى المشفى وزارني يومها عدة مسؤولين، منهم رئيس البلدية ورئيس الدائرة، وتلقيت تعازي منهم ومن والي الولاية. كما وعدوني بمنحي سكن، بعدما أمرهم الوالي شخصيا بمنحي سكن لائق.
وهل المسؤولين المحلين قد وفوا بتعهداتهم وأوامر الوالي بمنحك مسكن لائق؟
بعد مدة من تعافي ذهبت إلى رئيس المجلس الشعبي الولائي لغرداية، للاستفسار حول الوعود التي تلقيتها بمنحي سكن لائق، ومن الوالي شخصيا، لكني دهشت بعد أن أعلمني أن قرار منحي السكن مرتبط بقرارات عشيرتي! فقال لي: إذا قرروا منحك سكن فسوف يمنحني سكن. طالبا مني العودة بعد يومين أو 3 أيام.
ولما عدت إليه في التاريخ المطلوب قال لي بالحرف الواحد: روحي أسكني عند باباك ويماك… باين ماكيش تصلي فليل روحي صلي فليل!
هل يعقل قول مثل هذا لرجل في الدولة؟ ما دخل الأعراف والعشائر في تسيير أمور الدولة؟ هل مؤسسات الدولة والمؤسسات العرفية هي نفس الشيء؟ أظن أن العرف لا دخل له في تسيير أمور الدولة؟
ولما اتجهت إلى مسؤول عشيرتي للاستفسار عن سبب معارضتهم منحي سكن، أعلمني أنه لا دخل لهم في أمور الدولة في منح السكنات! فبقيت محتارة بين المسؤول في الدولة الذي أعلمني أنهم يمشون وفق العشيرة وذلك المسؤول في العشيرة الذي أخبرني أنه لا دخل لهم في أمور الدولة. مكتفياً بدعوتي للصبر.
بعد أن أغلق من هم في العشيرة ومن هم مسؤولين محليين بغرداية الأبواب في وجهك، هل طرقت بعدها أبواب أخرى لإسماع صوتك ومعاناتك؟
حاولت بشتى الطرق إسماع صوتي، فقد أجريت لقاء مع صحفي في قناة الشروق، فلاموني وقالوا لي: علاه بهدلتينا وبهدلت روحك؟. فقلت لهم: أنا ما بهدلتش بروحي. إنما قلت الحقيقة. نعم هم من رفضوا الوفاء بوعودهم في منحي السكن. لكن في الأخير لم تبث الحصة لتدخل جهات لا أعرفها.
كما حاولوا بشدة إلهائي. وقد تواصل معي في هذا الخصوص صحافي من بني يزغن وطلب مني أن ألتزم الصمت حول مشكلتي في السكن إلى ما بعد الانتخابات وسيجدون لي حل، ولكن بعد الانتخابات اختفى.
كما أعلموني من قبل، بعد إصراري على حقي في السكن، أنني سوف أكون أول المستفيدين في التوزيع القادم للحصص السكنية، لكن في الأخير لم أجد اسمي ضمن القائمة، بدعوى أن المطلقة لا تستفيد من السكن الفردي في ذلك الحي. ولكن وجدت عدة أسماء لنساء مطلقات ضمن قائمة المستفيدين! ولما استفسرت سألوني هل سيسكن معك والديك؟ قلت لهم نعم. فقالوا لي سوف تبيعينها؟ فقلت لهم لا! فقالو لي سوف تعيدين بيعيه فنحن نعرفك!
من تعتقدين أنه يحُول دون حصولك على حقك في السكن ودفعك لهذا الخيار الصعب، وهو الإضراب عن الطعام؟
أنا أعاني كما قلت لك من أزمة السكن من قبل عام 2019. ومعاناتي تضاعفت من جانفي 2020، بعد وفاة بناتي الثلاث والوحيدات اختناقا بالغاز. وبعد الإفراج عن زوجي السابق، في مارس 2020، ازدادت معاناتي بطلاقنا. وأنا من ذلك اليوم وأنا أعاني أكثر فأكثر. فأصبحت مشردة بين الأهل، اقضي أيام عند والدتي وأيام عند أختي. رغم ثقلي عليهما.
طلبت منهم منحي ولو غرفة واحدة فقط تكون ملكي أوي فيها نفسي واجمع فيها أغراضي فرفضوا.
فالجهات العرفية بغرداية هي من أفسدت علينا الحياة وكل النظام، فحسبي الله ونعم الوكيل فيهم.
فرئيس عشيرتي لما طلب منه بعض الناس مساعدتي في الحصول على السكن قال لهم هناك أمور خفية أنتم لا تعلمونها.. فعن أي أمور خفية يتحدث؟ لقد توجهت إليه أنا وأختي لنستفسر عن هذه الأمور الخفية! فقال لنا لا تسمعوا كلام الناس! فمهما أكون حسنة أم سيئة لكن يبقى من حقي كأي مواطن جزائري في سكن لائق.
أضن أن القانون على مستوى كل التراب الوطني الجزائري هو واحد، وإلى حد علمي أن الكثير ممن فقدوا أولادهم كحالي تم تعويضهم لكن في غرداية رفضوا تعويضي وقالوا لي لن تستفيدي من أي تعويض لأنك من تسببت في موت بناتك. فهل يعقل أن أتسبب أنا في موت بناتي؟
وأنا اليوم مستعدة لمواجهة أي جهة عرفية أو أي صحفي يدعي أنه قد تلقيت مساعدة في السكن. فأين هو السكن؟
وحتى لدي نسخ لتعليقات لمسؤول في الولاية على مواقع التواصل الاجتماعي. قال: إنهم سوف يساعدوني على طريقتهم وليس كما أريد.. فكيف ذلك؟ أنا مواطن طلب حقه من الدولة وليس من رزق أو جيب أي مسؤول!
بعيدا عن مساعدات الدولة.. ألا تسمح لك قدراتك المادية أو قدراتك أهلك من امتلاك مسكن؟
أنا من مواليد 1978 ببني يزغن بغرداية. وكان لدي 3 بنات كما قلت لك، وهن ريم رزان ورانيا، وقد أخذ الله أمانته. وقدر الله وما شاء فعل. وليس لدي عمل دائم أو ضمان اجتماعي يمكنني من شراء أو حتى استئجار مسكن.
وقد تخليت على الشقة ذات الغرفة الواحدة التي فقدت فيها بناتي الثلاث لأني لي فيها ذكريات سيئة، والتي هي ملك لوالدي ولا تليق في الأصل للحياة اليومية.
وأنا الآن مشردة بين الأهل يوم هنا ويوم آخر هناك. حتى أني تعرضت مؤخرا، في جويلية، لعملية سرقة وسطوا على آخر ما امتلكه من أدوات المنزل كالثلاجة والمكيف الهوائي.
لمنطقة واد ميزاب ربما أعراف متوارثة وتقاليد معينة… ألا تعتقدين انه ربما تلامين أنك خرجت عليهم؟
نعم اليوم يلومني البعض لأني استنجدت بغير أبناء عشيرتي. لكني لم أفعل ذلك إلا بعد أن يئست من مساعدة أبناء عشيرتي ومن المسؤولين في بلدية بونورة مقر سكناي.
فأنا لما توجهت إليهم في 2019 كما قلت لكم، كنت ربما قد استشعرت الخطر قبل حدوثه في ذلك البيت، والذي وقع في جانفي 2020.
ففي عام 2019 بعد أن دخل زوجي السابق إلى السجن طرقت أبوابهم ووعدوني بالسكن. وطلبت منهم أن يساعدوني في استئجار سكن، ولكنهم وعدوني وعود كاذبة. وفي الأخير رفضوا منحي كليتا سكنا لائقا.
ترجيتهم أن يستأجروا لي مسكنا إلى غاية أن يفرج عن والد بناتي فقالو لي اذهبي واستأجري بنفسك وأنا كنت لا أستطيع. فقد كان دخلي الشهري لا يتجاوز 7000 دج للشهر، أين كنت أشتغل كمربية في روضة أطفال، وهي لا تكفي حتى لمعيشتنا فما بالك بإيجار المساكن الغالية.
فقبل قبولي الظهور على قناة الشروق التي ألام عليها كثيراً، كنت توجهت إلى كل الأعيان لكن بدون جدوى.
إنهم يطلبون من الميزابية أن تصمت، ولكن لكي تصمت عليهم أولا أن يستمعوا اليها. وهم كذلك يطلبون منا أن نصلي ونصبر، نعم سنصبر لكن لصبرنا حدود خصوصا أني متشردة.
كلمتك الأخيرة…
في مثل حالتي كمشردة بدون مأوي هناك للأسف الكثير من الذئاب التي تترصدها. فقد طلبت مني تلكم الذئاب أن أتزين وأتوجه إلى المسؤولين إذ أردت قضاء حاجتي لكني رفضت. فأنا شريفة ابنة شريف وابنة شريفة. وحقي سوف أحصل عليه بالنضال وليس بطرق دنيئة. وسأواصل إضرابي عن الطعام الذي أنا مصرة عليه إلى أن أتحصل على ما هو حقي وهو السكن اللائق أو أموت دونه.