أراء حرة

إحسان، حتى وأنت محروم من حريتك تبقى رجلا حرا

عزيزي إحسان

إن تواطؤنا الإنساني والمهني الذي يعود تاريخه إلى زمن بعيد لم يضعنا أمام السؤال الحساس المتمثل في معرفة ما إذا كنا نتمنى “عيد ميلاد سعيد” لشخص يجد نفسه مسجونًا ظلماً. أفترض أنه بالنسبة لك، الأمر محسوم بالفعل، على الأقل في يوم 27 أبريل. سيكون اليوم سعيدًا دائمًا بابنتك تينهنان، المتألقة جدًا والواعدة جدًا، بعد أن كانت لديها فكرة رائعة للمجيء إلى العالم في نفس اليوم الذي ولدت فيه. حتى وأنت مسجون من قبل أولئك الذين يصرون على تجميد البلد في نموذج عفا عليه الزمن، ومكلف، وغير منتج بشكل خطير، فإن هذا اليوم سيظل بالنسبة لك دائمًا برائحة المستقبل الجميل.

عيد ميلاد سعيد إذن لك ولمستقبلك المشرق.

“في الخارج (خارج السجن)”، عند “الأحرار” نسبيًا فإن الأوقات قاتمة. شعرت بالكثير من التضامن والإعجاب لعنادك على البقاء حراً. حملات التشهير في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية لا تؤثر على تقدير الناس لك.

بالطبع ، هناك “واش اداه” التي أسمعها أحيانًا ، خاصة من “اليساريين” المفترضين – من هذا اليسار غير النشط ولكن الثرثار – عنك. كما لو كانوا يتطلعون ليجدوا في حرية التعبير المفترضة لديك مبررًا للظلم الذي يلاحقك. “واش اداك” لكتابة مقال عن الانتخابات الرئاسية القادمة (ماذا نفعل إذن؟ نكتفي بعد الإنجازات المزعومة؟ لعمل آلة تسجيل الوقت للأنشطة الوزارية …).. “واش اداك” للتغريد في تويتر … والأسوأ من ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يدعون أنهم ضد الإمبريالية من عواصم الدول الإمبريالية، أنك تقوم بذلك من داخل البلد (الجزائر). جرأتك، حريتك، تفسد عليهم “اطمئنانهم” لدرجة أنهم يصبحون مدعين عامين، مقتفي آثار مؤامرات خيالية.
في الواقع، هذا الـ “واش ادّاك”، وهو أمر أبدي وبالكاد خفي للأنظمة التسلطية والديكتاتوريات، يرقى عمليًا إلى القول: يجب ألا تنفس، ولا يجب أن نتحدث، ولا يجب أن تكون حتى موجودا. عليك فقط أن تكون ممثل الممتلكات المنقولة يحركها من يمتلكون السلطة كما يريدون، دون أن يُطلب رأيك. “واش ادّاك” تريد تحريك النقاش السياسي بينما يسير الناس جنب الجدران؟

بالطبع، أولئك الذين يعرفونك – حتى من بعيد – يعرفون جيدًا من أنت.. رجل حر وشجاع، وهذا ما أراده تاريخ بلده ومساره الشخصي. أنا أفترض أنه حتى أولئك الذين يطرحون هذه الأسئلة الزائفة يعرفون ذلك، وعلى الرغم منك، فإنك تؤنب ضميرهم.

لكن هل يدركون، مع ذلك القائمة اللامتناهية لـ “واش اداك” التي يمكن أن يشكلوها على نفس المنوال؟..على سبيل المثال، ما الذي دفع ناظم حكمت (الشاعر التركي) لكتابة القصائد التي زُج بسببها في السجن.. ما الذي دفع أنخل بارا (المغني اليساري التشيلي المناصر للرئيس لسالفادور أليندي) لكتابة الأغاني من أجل الحرية (خلال حكم الديكتاتور بينوشيه المنقلب على أليندي).. “واش أدّاهم” كل هؤلاء المناضلين من الحركة الوطنية الذين تحدثوا وكتبوا وناضلوا من أجل منح الوطن مستقبلًا؟ هل يدرك أولئك الذين وراء “وش ادّاك” فداحة هذا الاستدعاء لـ”وش ادّاك”؟

أبطالنا كبوضياف، آيت أحمد، والدك، بشير القاضي ـ (والد إحسان، وهو أحد قادة الثورة التحريرية وقائد لقاعدتها الخلفية في ليبيا، حيث ولد إحسان القاضي عام 1958)ـ، والعديد من الأشخاص الآخرين الذين عاشوا تقلبات جزائر ما بعد الاستقلال لم يقولوا لأنفسهم “وش ادّاني”. لقد فعلوا ما اعتقدوا أنه ينبغي عليهم القيام به من أجل بلدهم. أنت واحد من أولئك الذين تميزوا بالنفس القوي لهذه الثورة العظيمة والذين لا يستطيعون الاستسلام لرؤية أحد أهدافها الرئيسية تتحقق: الحرية والكرامة للجزائريات والجزائريين، الذين أحبطهم نظام لم يعد له مبرر للوجود. أولئك الذين يحاكمونك لا يدركون مدى تأصل التزامك كصحفي وكمواطن في تاريخنا. وهذا ما يصدمهم، فأنت لا تستقيل، أنت تستمر في الاعتقاد بأننا نحن الجزائريون نستحق أن نكون أحرارًا، وأن نتمتع بحرية التعبير عن أنفسنا وتنظيم أنفسنا، وأن تكون لدينا حكومات ومسؤولون منتخبون مسؤولون يحاسبُون على ما قدموه في عملهم. تفاؤلك العنيد هو الذي يزعجهم. كل الشجاعة لك صديقي، أنت محروم من حريتك، لكنك كما كنت عليه دائمًا ..أنت رجل حر.

نص: سعيد جعفر
ترجمة: جمال الدين طالب

Related Articles

اترك تعليقاً

Back to top button