أراء حرة

الأستاذ عابد صوار: سياسة الاعتقال والتشويه دليل فشل وضعف السلطة الفعلية

لم يجد النظام القائم إمكانية أخرى للتعامل مع الحراكين والنشطاء سوى استعمال الاعتقال السياسي، والتهديد الفظي والتعنيف الجسدي كحل لتطهير الساحة السياسية من المختلفين مع توجهه، الذي تبناه في تسيير أمور الوطن. بل تحول الاعتقال السياسي لديه إلى ضرورة قصوى للحفاظ على كينونته، وبقي هذا الأسلوب الوسيلة الوحيدة لتجاوز هذه الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.

وتعتبر غياب العقلانية والإرادة السياسية لدى السلطة الفعلية السبب المباشر الذي يجعل منها ترى أن الاعتقال السياسي لديها أمرا مقبولا ومشروعا، باسم الحفاظ على الأمن والنظام العام، وسلامة الوطن ووحدته الترابية.

هكذا أصبحت شرعية القوة والتهديد، التي يسوق لها هذا النظام، تعتبر لديه أمر وضرورة طبيعية وعنف شرعي، يستعمل من أجل الصالح العام حسب نضرهم.

إن إشكالية استعمال العنف المادي من طرف الدولة، واستعمال الاعتقال التعسفي السياسي باسم الحفاظ على النظام والصالح العام، يعتبر شذوذ عملي عنفي يمارس ضد المواطنين والنشطاء الأبرياء، يبقى أمرا مستهجنا ومخالفا للدستور والقانون الداخلي والدولي، نظرا لمساسه بحرية الأفراد عن طريق سجنهم أو التضييق عليهم، وأيضا نظرا للمساس بكرامتهم عن طريق نشر الإشاعات التي تمس بشرف الأشخاص، كما وقع مع بعض معتقلي الأسبوع الماضي أو ما يعرف بقضية القاصر سعيد شتوان. وهنا راحت كل مؤسسات الدولة من آمن وقضاء وإعلام تقدم كل ما لديها من قدرات بشرية ومادية لتبرير اعتقال هؤلاء الأشخاص، حتى يُصبح اللمس بحريتهم وكرامتهم أمرا مقبولا من طرف الرأي العام. وذلك باتهامهم بأمور لا يتسامح معها المواطن الجزائري.

وهنا أصبح الإعلام والقضاء والمثقفين المزيفين والانتهازيين وسيلة تستعمل من طرف السلطة من أجل إنجاح ومنح الشرعية لفكرة الاعتقال السياسي والتعسفي لنشطاء الحراك الشعبي المدستر.

الذي يهمني أكثر كمدافع عن الحقوق والحريات هو جهاز القضاء الذي أصبح في مثل هذه الملفات السياسية يعمل تحت غطاء القانون، حتى يجعل من هذا الاعتقال فعلا مشروعا قانونا. فنجده يستبدل مصطلح الاعتقال السياسي بالاتهام القانوني. فيتابع المعتقل بقضايا قانونية، كثيرا ما تتعلق بالأمن والنظام العامين والمساس بسلامة ووحدة الوطن وغيرها من الجنح الفضفاضة المجردة، وبما أن القضاء ليس مستقلا ويعمل تحت رحمة مظلة النظام القائم، فإن الفصل في الحقيقة يكون قبلي وليس بعدي. فتبقى الجلسات المنعقدة مجرد ديكور وتغطية توجه للاستهلاك القانوني، وفي نفس الوقت إشهارا لإضفاء شرعية لهذه الممارسات وفقط. ومن هنا نقول إن القضاء لم يبلغ بعد سن الرشد ليستقيل وينفصل بنفسه ولن يمكن لنا أن نبلغ ذلك في ظل النظام القائم.

كل هاته المحاولات التي يقوم بها النظام القائم لتبرير استعماله للاعتقال السياسي وتشويه معارضيه، تحمل في طياتها رسائل واضحة هو أن هذا النظام لا يستطيع الاستغناء عن ممارساته البدائية الدنيئة كوسائل مهمة من أجل استمراره، ولا يملك حلولا سياسية للخروج من الأزمة التي يتخبط فيها.

وكما جرت العادة وفي خاتمة كل مقال بصيص من الأمل يعلوا في الأفق، هو أن الوسائل المستعملة من طرف النظام لإضفاء الشرعية للاعتقال السياسي وتشويه وجوه الحراك، يجد دائما في وجهه قوة ضاربة من إعلام بديل ومجتمع دولي ونخبة صادقة ووفية لمبادئها رغم قلتها، إلا أنها فعالة تستمد قوتها من شرعية نضالها ونبل رسالتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى